قصة موسى مع الخضر

قصة موسى -عليه السلام- مع العبد الصالح هي من أجمل القصص التي رواها لنا القرآن الكريم، وبيّنها لنا بكل تفاصيلها، حيث وردت لنا قصة موسى والخضر كاملة منذ بدايتها وحتى نهايتها في سورة الكهف، وأظهرت لنا القصة مدى صبر وحكمة وعلم الخضر -عليه السلام- الذي استمده من الله تعالى، كذلك أظهرت لنا القصة مدى تواضع سيدنا موسى الذي رغب بالمسير مع العبد الصالح حتى يتعلّم منه.

قصة موسى مع الخضر

فيما يلي بياناً لقصة موسى مع الخضر: [1]

بداية قصة سيدنا موسى مع الخضر

كانت بداية شرارة القصة هو إلقاء سيدنا موسى -عليه السلام- خطاباً على بني إسرائيل، فسأله أحد الحضور عمَن هو أعلم الناس في الدنيا، هنا أخبره سيدنا موسى أنه هو أعلم مَن على الأرض، فأراد الله تعالى أن يُعلم عبده ونبيه موسى عليه السلام، بأن هناك مَن هو أكثر علماً منه، فأخبره أن يسير نحو مكان معيّن حتى يجد عبداً من عباد الله، فيتعلّم منه سيدنا موسى.

مسير سيدنا موسى نحو العبد الصالح

بدأ سيدنا موسى بالمسير مع خادمه “يوشع بن نون” للقاء العبد الصالح كما أمره الله تعالى، والمكان الذي يسير موسى نحوه يُسمى “مَجمع البحرين” وهو مكان غير معروف بالتحديد، وقد اختلف العلماء في تحديده على وجه الدقة، وأخبر موسى -عليه السلام- خادمه بأن لن يرتاح أبداً مهما حصلت له من مشقة أو تعب حتى يبلغ مرماه، وقد دلّ على ذلك قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا}[2]، وهذا يدل على رغبة سيدنا موسى الشديدة في التعلم وطلب العلم.

رحلة البحث عن الخضر

عندما همّ سيدنا موسى وخادمه بالمسر، أخذا معهما حوتاً كما أوحى له بذلك، وكان فَقْد الحوت دلالة على مكان الخضر، فكان الحوت ميتاً عندما بدءا السفر، فرقد موسى وخادمه عند صخرة كبيرة، فأحيى الله تعالى بقدرته وقوته الحوت، فوقع الحوت في الماء وبدأ بالسباحة، فسار فيها لمسافة طويلة، ففُقد الحوت عند الصخرة، ولكن نسي خادم سيدنا موسى عليه السلام؛ أن يخبر موسى -عليه السلام- بفقدهما للحوت، وفي الصباح؛ طلب سيدنا موسى من فتاة أن يأتيه بالحوت حتى يأكلاه، فأخبر الفتى سيدنا موسى بأنه نسي الحوت عند الصخرة التي رقدا عندها، فعلم سيدنا موسى بأن الصخرة هي مكان تواجد الخضر، فرجع موسى -عليه السلام- وخادمه إلى الصخرة التي رقدا عليها حيث كانا يبحثان عن الحوت، وعندما وصلا إلى الصخرة وجدا الخضر عليه السلام، وطلب منه موسى أن يرافقه حتى يتعلّم منه.

مرافقة سيدنا موسى للخضر

قبل البدء بالرحلة مع الخضر، طلب الخضر من موسى -عليه السلام- أن لا يسأله عن أي شيء مهما حصل لهما في الطريق، فأخبره موسى بأنه لن يسأله عن أيّ شيء وسيكون صابراً، حتى يحدّثه هو بما يريد، وقد ظهر ذلك جلياً في قوله تعالى في سورة الكهف: {قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا. قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا. وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا. قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا. قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا}[3].

بداية رحلة سيدنا موسى مع الخضر

بعد أن وافق الخضر على مرافقة سيدنا موسى له، وطلبه منه أن لا يسأل عن أي شيء حتى يُخبّره به هو، بدأت تحدث لهم المواقف تِباعاً موقفاً بعد موقف، وقد أظهرت لنا كل المواقف والأحداث التي حصلت لموسى -عليه السلام- والخضر مدى الحكمة والعلم الذي كان يعلمه الخضر، وهو علم علّمه إياه الله تعالى.

الموقف الأول لسيدنا موسى مع الخضر

الموقف الأول حدث بعد مسير موسى -عليه السلام- مع الخضر على شاطئ البحر، فمرّت عليهما سفينة، فأركبهما أهل السفينة في سفينتهما، فأحدث الخضر عيب في السفينة، هنا غضب موسى عليه السلام، وأخبر الخضر عن سبب فعلته هذه، فأخبره الخضر بأنه وعده بأن لا يسأل عن أي شي، فاعتذر موسى -عليه السلام- عن سؤاله، وقد بيّن الله تعالى لنا ذلك في قوله تعالى: {فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا. قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا. قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا}[4].

الموقف الثاني لسيدنا موسى مع الخضر

تابع موسى -عليه السلام- والخضر مسيرهما، وفي الطريق وجدا غلاماً يلعب مع أصدقائه، فقام الخضر على الغلام فقتله، فوبّخه موسى على ذلك، وتعجّب من فعلته، وأخبره بأنه قتل نفساً بغير نفس، وأن ذلك حرام، فأخبره الخضر بوعده له بالصبر وعدم السؤال عن أي شيء، فأخبره موسى أنه إذا سأله عن شيء بعد ذلك سيكون ذلك بمثابة الفراق بينهما، وظهرت هذه القصة في قوله تعالى: {فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا. قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا. قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا}[5].

الموقف الثالث لسيدنا موسى مع الخضر

تابع موسى -عليه السلام- والخضر مسيرهما، فوجدا قرية، طلبوا من أهلها الطعام، ولكنهم رفضوا أن يضيفوهما، فوجد الخضر حائطاً مائلاً يريد أن يقع، فقام فأصلحه بيده، فلامه موسى -عليه السلام- على تقويمه للحائط بدون مقابل، على الرغم من أن أهل القرية لم يُضيفوهما، هنا حصل الفراق بين سيدنا موسى والخضر عليه السلام، لأن موسى -عليه السلام- لم يفِ بوعده بالصبر وعدم السؤال عن أي شيء، حتى يُخبره الخضر بذلك، دل على هذه القصة قوله تعالى: {فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ ۖ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرً}[6].

تفسير الخضر لموسى عليه السلام المواقف التي حصلت لهما

قبل فراق سيدنا موسى للخضر، فسّر له الخضر المواقف التي حدثت لهما عند مسيرهما، فكان سبب خرق الخضر للسفينة وأحداثه عيب فيها، هو أن السفينة كان أهلها مساكين، وكان لهؤلاء المساكين ملكاً يأخذ كل سفينة صالحة رغماً عن أهلها، فإذا رأى الملك هذا العيب في السفينة سيتركها لأهلها، وأما سبب قتله للفتى هو أن الفتى سيصبح فاسقاً كافراً عندما يكبر، وهذا الفتى له أهل صالحين مؤمنين، وبكفره سيتعبهما ويُحملهما المزيد من الشقاء، فأمر الله تعالى الخضر بقتله، وأما سبب إقامة الخضر للحائط، فلأن الحائط كان لوَلَدين يتيمين من المدينة، وكان تحت الحائط كنز لهما، فأراد الله تعالى أن يكبر الوَلدين، ويأخذا كنزهما بنفسهما من تحت الحائط، وقد دلّ على تفسير ذلك كله قوله تعالى في سورة الكهف: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا. وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا. فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا. وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا}[7].

المراجع

  1. islamqa.info , قصة موسى عليه السلام مع الخضر , 2024-05-14
  2. سورة الكهف , آية 60
  3. سورة الكهف , آية 66-70
  4. سورة الكهف , آية 71-73
  5. سورة الكهف , آية 74-76
  6. سورة الكهف , آية 77-78
  7. سورة الكهف , آية 60-82